2

dimanche 27 septembre 2020

فاكهة حرمها الإسلام وما زلنا نأكلها !!!

 



ضبط اللسان يحتاج لإرادة قوية فكم به عُبد غير الله وتقطّعت أرحام وقُذفت محصنات وانتُهكت أعراض؟

من أسباب الغيبة الحسد واحتقار المغتاب والسخرية منه ومجاراة رفقاء السوء وربما ساقها مظهرا الشفقة والرحمة

لعلاج الغيبة على المرء أن يتذكر قبح هذه المعصية وما مثل الله به لأهلها وأنه يُعرِّض حسناته إلى أن تسلب منه

إذا ذكرت أخاك بلسانك أو رمزت إليه أو أشرت إليه بعينك أو يَدِك أو رأسِك تلميحاً كان أو تصريحاً فَكل هذا من الغيبة

«ذكر الغير ثلاثة»: الغيبة أن تقول ما فيه... والبهتان أن تقول ما ليس فيه... والإفك أن تقول ما بلغك عنه
حرمها الإسلام وما زلنا نأكل فيها... إنها تلك الفاكهة التي أحبها الناس بشراهة في زماننا هذا، وتفننوا في أكلها في كل وقت وحين... في كل مكان وكل مجال... إنها الفاكهة التي أصبحت تسلي الناس في أوقات فراغهم، فضلا عن ساعات عملهم... إنها الفاكهة التي يأكلها الغني والفقير... إنها الفاكهة التي حرمها الله في كتابه الكريم ووصف آكلها بأبشع صفة... ونهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكلها...

إنها«الغيبة»... نعتها الحسن البصري - رحمه الله - بـ «فاكهة النساء» وما أحسبها تقتصر على النساء فقط، فقد أصبحت فاكهة للكل، رجالا كانوا أم نساء. نعم تتضح أكثر عند النساء، لكنها موجودة عند الرجال أيضا.

فهل آن الأوان كي نحرم على أنفسنا هذه الفاكهة؟

ألا يكفي أن الله قال فيها: «ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه»؟

فضبط اللسان يحتاج لإرادة قوية والمسلمون في الأعم الأغلب بعيدون عن الكبائر من قَتل، أو شرب خمر، أو زنى، لكنهم يقعون في موبقات كلامية كثيرة تحجبهم عن الله عز وجل، فالمعصِية تحجب عن الله تعالى صغيرة كانت أو كبيرة، ولا تنسوا أن الإصرار على المعصية الصغيرة يجعلها كبيرة، والعبادة ليس في أداء الصلوات فَحسب وصيام رمضان، ولكن العبادة الحقة في ضبط اللِّسان وضبطُه يحتاج إلى إرادة قَوية.

فالإنسان يسترسل في الحديث عن عيوب الناس ونقائصهِم، وفضائحهم، ومساوئِهم، وفي هذا الحديث كما قال العلماء متعَة اجتماعية، لذلك قالوا: الغيبة مائدة طعام الكلاب، وإدام الفُساق، ومن أعمال أهل الفجور.

قال رسول الله: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار!) صحيح مسلم (2581)

فكم بهذه الألسنة عُبد غير الله تعالى وأشرك... وكم بهذه الألسنة حُكم بغير حكمه سبحانه وتعالى... وكم بهذه الألسنة أُحدثت بدع وأُدميت أفئدة وقُرحت أكباد؟

كم بهذه الألسنة أرحام تقطعت وأوصال تحطمت وقلوب تفرقت؟ كم بهذه الألسنة نزفت دماء وقُتل أبرياء؟وعُذب مظلومون... كم بها طُلّقت أمهات وقذفت محصنات؟ كم بها من أموال أُكلت وأعراض اُنتهكت ونفوس زهقت؟

لما أقبل موسى الأشعري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنصحاً قال: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ وفي رواية أي المسلمين خير؟

ما قال صلى الله عليه وسلم خير المسلمين قوام الليل ولا قال خير المسلمين صوام النهار ولا قال خير المسلمين الحجاج والمعتمرون أو المجاهدون، لا، ترك كل هذه الفضائل مع حسنها وقال: (خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده).

وفي البخاري قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا).رواه الترمذي.

«الغيبة» عرفها العلماء بأنها اسم من اغتاب اغتياباً، إذا ذكر أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث: «قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» رواه مسلم.

والغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وعدَّها كثير من العلماء من الكبائر، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً فقال: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) [الحجرات: 12].

ولا يخفى أن هذا المثال يكفي مجرد تصوره في الدلالة على حجم الكارثة التي يقع فيها المغتاب، ولذا كان عقابه في الآخرة من جنس ذنبه في الدنيا، فقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ليلة عرج به ـ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: «من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» والأحاديث في ذم الغيبة والتنفير منها كثيرة.

وأسبابها الباعثة عليها كثيرة منها: الحسد، واحتقار المغتاب، والسخرية منه، ومجاراة رفقاء السوء، وأن يذكره بنقص ليظهر كمال نفسه ورفعتها، وربما ساقها مظهراً الشفقة والرحمة، وربما حمله عليها إظهار الغضب لله فيما يَدَّعي.. إلى غير ذلك من الأسباب.

وأما علاجها فله طريقان: طريق مجمل، وطريق مفصل كما ذكر الغزالي:

الأول: أن يتذكر قبح هذه المعصية، وما مثل الله به لأهلها، بأن مثلهم مثل آكلي لحوم البشر، وأنه يُعرِّض حسناته إلى أن تسلب منه بالوقوع في أعراض الآخرين، فإنه تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه بدلاً عما استباحه من عرضه، فمهما آمن العبد بما ورد من الأخبار في الغيبة لم يطلق لسانه بها خوفاً من ذلك.

الثاني: أما طريق علاجها على التفصيل: فينظر إلى حال نفسه، ويتأمل السبب الباعث له على الغيبة فيقطعه، فإن علاج كل علةٍ بقطع سببها.

فإن وقع العبد في هذا الذنب فليرجع إلى الله سبحانه وليتب إليه، وليبدأ فليتحلل ممن اغتابه، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له عند أخيه مظلمة من عرضه أو شيء فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» متفق عليه من حديث أبي هريرة، فإن خشي ان تحلله أن تثور ثائرته ولم يتحصل مقصود الشارع من التحلل، وهو الصلح والألفة، فليدع له، وليذكره بما فيه من الخير في مجالسه التي اغتابه فيها.

البهتان والغيبة

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)) [مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

البهتان: أن تقول على أخيك شيئا ليس فيه، أما الغيبة فأن تقول عنه شيئاً هو فيه، هذا تعريف الغيبة من قِبَلِ النبي عليه الصلاة والسلام، طبْعاً ذِكْرُكَ أخاك بما يكْره سواءٌ أكانت هذه الغيبة في بدنِهِ، أو دينه، أو دُنياه، أو نفسه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو زَوْجته ووالده، أو ثَوْبه، أو مِشيته، أو حركته، أو عَبوسه وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، كل هذه الموضوعات متعلقَة بالغيبة.

وسواء ذكرته بِلِسانك، أو رمزت إليه، أو أشرت إليه بِعَيْنِك، أو يَدِك، أو رأسِك، أو نحو ذلك؛ تلْميحا كان أو تصْريحا فَكل هذا من الغيبة.

ففي البَدَن كأن تقول: فلان أعْرج، وهذا أعْمَش، وذاك قصير، وفلان طويل، والآخر شديد السمْرة؛ هذه غيبة البَدَن، وفي الدِّين كأن تقول: فاسق، وسارق، وكاذب، وظالم، ومُتهاوِن بالصلوات، ليس باراً بوالِدَيْه؛ هذه في الدِّين، وفي الدنيا كأن تقول: هذا قليل الأدب وكثير الأكل والنوم، وينام في غير وَقْته، وفي والده كأن تقول: والدُه زِنْجي، أو تحْتقِرُ والده بالصَّنْعة، وفي الخُلق كأن تقول: مُتَكَبِّر و«مُرائي» وجبار... إلخ، وفي الثوب وسِخُ الثَّوْب وطويل الكمّ.

والغيبة من أوسع المعاصي التي يقترفها الناس وهم لا يشعرون في مجالسِهِم، وسفَرهم، ولقاءاتهم، وولائمهِم، وأعراسهِم، وفي أحزانهِم، فمادام هذا اللِّسان ينهش أعراض الناس فَهو واقِع بغيبة كبيرة، والغيبة كما تعلمون من الكبائِر.

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ))[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]و: ((عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ)) [الترمذي عَنْ أَبِي حذيفة].

قال الحسن: «ذِكْرُ الغير ثلاثة: الغيبة والبهتان والإفْك، وكل في كتاب الله عز وجل، فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفْك أن تقول ما بلَغَكَ عنه».

فإن نقَلت ما بلغَكَ عنه فهذا إفك، وحديث الإفك معروف لدينا حينما قالوا عن السيدة عائِشَة ما قالوا؛ فإن نقلت ما ذُكر لك فهذا إفك، وإن نقلْت ما في الإنسان فهذه غيبة، وإن نقلت ما ليس فيه فهذا بهتان؛ وذكر ابن سيرين رجلا فقال: ذاك الرجل الأسود، ثم قال: أستغفر الله إنّي أراني قد اغتبته، وذكر ابن سيرين إبراهيم بن أدهم فوضع يده على عينه ولم يقل أعور، بل أشار وخاف أن يقول أعور! فَكلما اشتد خوفك من الله كلما كنت وقافا في الأمر والنَهي، وكان لك مكان عند الله كبير، قال تعالى: ?إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ? [سورة القمر: 54].

ذكر الله شفاء

إن الإنسان إذا ضبط لسانه، واشتغل بذكر الله عز وجل والدعوة إلى الله، وذكر ما في كتاب الله وسنة رسول الله من فضائل، وما عند الصحابة من الكرامات، كان ذكر الله شفاء له ولمن حوله، أما إذا اشتغل بذكر الناس فذكر الناس داء له ولمن حوله، وهو قَول سيدنا عمر: «ذكر الله شفاء وذكر الناس داء»، كل إنسانٍ لا بد له من لقاءات شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، أعجبك أم لم يعجبك، فأنت مضطر أن تلْتقي مع أصدقائك، ومع جيرانك، وإخوانك، وزملائك، وأقربائك في وليمة، أو سهرة، أو لقاء، أو تهنئة، أو نزهَة، أو تعزية، وفي حفلة، أو عقد قران؛ فاللقاء حتمي، فَقَبل أن تدخل قُل في نفسك: ماذا أقول؟! لا تدخل وأنت خالي الذِّهن، هيئ في نفْسك آية أو حديثا أو قِصّة أو شيئا عن أصحاب رسول الله، المهِم شيء يقربهم إلى الله، واذْكره بلطْف وأدَب وحكمة وتسامحٍ فإن رأيْت الوجوهَ قد أشرَقَت وتألقت فهذا هو قول سيدِنا عمر: «ذكر الله شفاء وذكر الناس داء».

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لا يغْتابَنَّ أحدكم أحداً فإني قلتُ لامْرأةٍ وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: إنَّ هذه لَطَويلَةُ الَّذيْل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: اِلْفظي الْفظي فلَفَظْتُ مضْغة لَحْمٍ»؛ أيْ كأنَّها أكلَتْ لحْمَ أُخْتِها ميِّتَةً.

لا تقتصِر على اللِّسان

استمرارية مجالس الخير منوطة بترك الغيبة،وإن الغيبة لا تقتصِر على اللسان، فالذِّكر باللّسان محَرم، ولكن هناك التعريض، وهناك التّصريح، وهناك القول، وهناك الإشارة، فإذا أشار الواحد على الآخر بأنه بخيل؛ أحيانا بشفتيه، وأحيانا يحرك رأسه، وأحيانا يرفع عينيه، كل هذا عند الله غيبة، كلام، وإشارة، وتصريح، وقول، وغمز، وتحريك شفتين، وعينين، ورأس؛ هذا كلّه يدخل تحت الغيبة، فإذا أردنا مجتمعا متماسكا كالبنيان المرصوص، وكالجسد الواحد فعلينا أن نبتعد عن الغيبة، فالغيبة هي التي تمزق وحدة هذا الجسد، وإذا أردنا مجتمعا متباغضا تسود فيه العداوة والحسد والأحقاد، فالسبب هو الغيبة، يذكرأن أُناسا طيبين كانوا يلتقون كل ثلاثاء مثلا؛ هذا اللِقاء دام سبعة عشر عاما، فسأل بعضهم بعضا ما سر هذا التوفيق والاسْتمرار وتلك الديمومة؟‍ فقال أحدهم: لأن هذه المجالس خالية من الغيبة، ولو كان فيها غيبة لانقطعت منذ أمد طويل.

السيدة عائشة رضي الله عنها: «دخلت علينا امرأة فلما ولَّتْ أومأت بيدي إنها قصيرة، فقال عليه الصلاة والسلام: اِغْتبْتيها».

ومن ذلك المحاكاة أو التمثيل كأن يمشي الإنسان متعارجا، يتصنع العرج كي يبدو متعارجا، أو كما يمشي أو يضحك أو يجلس أو يتحرك، فإذا قلدت إنسانا من أجل أن يضحك الناس عليه فهذه من أشد أنواع الغيبة، وهناك غيبة بالكتابة، والرسم، هناك رسوم تبعث على الضحِك وأحيانا هناك كتابات؛ قالوا: القلم أحد اللسانين.

طرق أخرى للغيبة

الآن هناك أساليب ذكِية يفعلها الإنسان ويظن أنه نجا من الغيبة، مثلا فمن الغيبة أن يذْكر إنسان عندك فتقول: الحمد لله الذي عافانا من البخل، معنى ذلك أنه بخيل! هذه إشارة إلى أنه بخيل وهي غيبة، ومرة قلت: الحمد لله الذي عافانا من أكل أموال الناس بالباطل، أيضا هذه غيبة، وذُكر إنسان ثالث فقلت: الحمد لله الذي عافانا من الرياء والنفاق هذه كذلك غيبة، وهذه الغيبة مضاعفة الإثم لأنك انتقصت أخاك وأثنيت على نفسك وقد لا تكون كذلك، فصار هناك افتخار واستعلاء وانتِقاص لأخيك.

وهناك طريقة أخرى للغيبة، وذلك بمدح فلان أو فلان، ويقوم بمدح من يريد اغتيابه فيقول: ما أحسن أحوال فلان، فعله كذا وعبادته كذا، فالحاضرون يقولون عكس ذلك، إذ انه يعلم أن له نقائص، وهؤلاء الذين معه لا يسكتون عليها، فحينما تمدح هذا الإنسان تستثير موضوع الغيبة عندهم، فيَغتابونه فتدهش؛ فلان هكذا لا حول ولا قوة إلا بالله، وكل هذا بسبب مدحك له، وهو من الغيبة.

وكذا من الغيبة الإصْغاء إلى الغيبة، ما تكلّمت ولا كلمة لما كنت في المجلس فاغتيب إنسان أمامك، وأنت منصت ومستمتع وتتابع هذا الحديث، وهو أيضا من الغيبة، ففي غزوة تبوك سأل الناس الرسول عليه الصلاة والسلام عن رجل فقالوا: «إنَّهُ منافق، فقام أحد الصحابة الكرام فقال: والله يا رسول الله ما علمنا عنه إلا خيراً، إن أُناسا تخلّفوا عنك لسنا بأشد حبا لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك!» فابتسم النبي صلى الله عليه وسلّم ابتسامة الغبطة ورأى هذا العمل طيباً، فالساكت في المجلس الذي يغتب فيه إنسان شريك في إثم الغيبة.

ضَبْطُ اللِّسان

فالإنسان عندما يضبط لسانه إلى أقصى الحدود يحاول أن يطبق في كلامه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلّم فَيفلح ويشعر بقربه من الله وبإقباله عليه، وسر إقبالك على الله استقامتك، فعن معاذ عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قَالَ:

((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))

شيءٌ آخر وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)) [رواه أحمد عن أنس بن مالك].

فصار ضبط اللسان أحد أركان الاستِقامة، والإمام الغزالي في الإحياء ذكر ثلاثة عشر عيباً من عيوب اللسان، ومن أهمها الغيبة، فاجلس في بيتِك واذكر ربك ولا تقع في أعراض الناس، فإن الله سبحانه وتعالى يحاسِبك على هذا حِساباً عسيراً، ومما يُغري الناس في مجالسهم الحديث عن العلماء والخطباء فيَنهشون أعراضهم، وهذا من أكبر الكبائِر، فكل إنسان أجرى الله على يديه الخير فلا ينبغي أن تطعن فيه وتهز مكانه، فهذا عمل لا يرضي الله، فأدنى الغيبة أنْ تقول: هذا اللون غير مناسب، أما أشد أنواع الغيبة أن تنال إنساناً أجرى الله على يديه الخير، فأنت إذاً من قطاع الطريق حينما تقطع الطريق إلى الله، الذي يفسِد علاقة متعَلم بمعلّم وعلاقة شَيخ بتلميذ فهو من قطاع الطريق.

على الهامش / ما يباح من الغيبة

مما ينبغي التنبه له أن الشارع أباح الغيبة لأسباب محددة من باب الدخول في أخف المفسدتين دفعا لأعظمهما وهي:

الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.

الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص ودفع ظلمه عني؟

الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً ، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له ، أو نحو ذلك ، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.

الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كشرب الخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.

السادس: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصاً. ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى . وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم ، وغيره. والله أعلم.

الهمز واللمز

الهمز واللمز: هما من أقسام الغيبة المحرمة، فالهَّماز بالقول، واللمَّاز بالفعل، قال الإمام الغزالي: الذكر باللسان إنما حُرِّم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيكَ، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكل ما يُفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام. ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها: «دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي: أنها قصيرة، فقال عليه السلام: اغتبتها» أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الغيبة.

النميمة

النميمة: هي السعي للإيقاع في الفتنة والوحشة، كمن ينقل كلاماً بين صديقين، أو زوجين للإفساد بينهما، سواء كان ما نقله حقاً وصدقاً، أم باطلاً وكذباً، وسواء قصد الإفساد أم لا، فالعبرة بما يؤول إليه الأمر، فإن أدى نقل كلامه إلى فساد ذات البين فهي النميمة، وهي محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فقد قال تعالى: (هماز مشاء بنميم) [القلم: 11].

أما السنة فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول» متفق عليه، وروى أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هي الحالقة».

وأما الإجماع فقد قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر: قال الحافظ المنذري أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله ـ عز وجل .

وليحذر المسلم هذا الداء العضال، وليجعل بينه وبينه جُنَّة تقيه لفح جهنم وحرها يوم القيامة، وليسع في الإصلاح ما استطاع. والله أعلم.

من أسباب علاج الغيبة

• تربية المرء على تقوى الله - عز وجل.

• تعويد المرء على مراقبته لله - عز وجل.

• أن يعلم المرء أنه محاسَب ومؤاخَذ بكل أقواله وأفعاله.

• التثبت والتبيُّن في الحكم على الأشخاص والأمور.

• كظم الغيظ والغضب.

• قيام المجتمع بواجبه نحو المغتابين بما يأتي.

• عدم سماع الغيبة أو استحسانها.

• زجْر المغتابين وتخويفهم بالله.

• مقاطعة مجالس الغيبة والإعراض عنها.

• دعوة المغتابين إلى الانشغال بعيوبهم دون عيوب الناس.

إصلاح الاعوجاج

يضطر الإنسانَ أحْياناً إلى أن يصلح عيوبَ المجتمع، كيف يفعل؟‍ كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ كان يصعد المنبر ويقول: «ما بال أقْوامٍ يفْعَلون كذا وكذا»، فالذي فعل واحد، فلما قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؛ هي إشارة لطيفة دون تعيين ودون تسمية، ولم يفضح لكنه ذكر عيبا منتشراً في المجتمع.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire